الأربعاء، 4 يونيو 2008

[أغنية الحيوان نص الأشياء] لفهد المرسل


رؤية نقدية



استهلالة..



أعزائي قراء الهمسات أسعدني التواجد على هذه الصفحة والتي كانت إطلالة جميلة وإضافة نوعية لصفحات الساحة الشعبية في قطر حيث أن من يخط بالمداد هنا هن بنات حواء .. وذلك دحضاً لكل ما يقال عن قصور الأقلام النسائية عن التواجد الصادق .. وإن كنت لست مع الانعزال الكامل أو الانسلاخ من الساحة الأدبية الشعبية كجزءٍ متكامل إلا أنني أحيي ما قامت به الأخت الفاضلة بدرية حسن معدة هذه الصفحة من فتح الباب أمام الجميع للمساهمة .. وقد ارتأيت أن تكون مساهمتي عبارة عن دراساتٍ نقدية قد تقدّم ولو قليلا بعضاً مما أحب أن أراه يطرح في ساحاتنا الأدبية .. وبإيحاء من مجال تخصصي رغبت أن أطرح بعض النصوص أو الظواهر أو المدارس الأدبية للدراسة سعياً وراء الوصول إلى آفاقٍ أرحب من النقد الأدبي في الأدب الشعبي..هذا النص الذي نتناوله اليوم وهو تحت عنوان (اغنية الحيوان ..نص الأشياء )للشاعر فهد المرسل هو نصٌّ كان السبب الأول لاختياري له هو أنه ينتمي إلى مدرسةٍ خاصة قليلون هم من يطرقون أبوابها وقد يكون ذلك لغرابتها بعض الشيء على المتلقي العادي ..فالمرسل ينتمي بنصه هذا إلى المدرسة الرومنتية وهي مدرسةٌ ابتداعية يكون فيها الابتداع هو العامل أو الملمح الأول كما أنها غير محدّدة الشكل وتقوم على أساسٍ عاطفي انفعالي يعتمد على الابتكار الخيالي وهذا هو ما يلاحظ في قصيدة المرسل..فلنقرأ سطورها ولنبحر بين فقراتها ولنستشف ما يتردد بين جنباتها من موسيقى ..



(أغنية الحيوان .. نص الأشياء)


الدفتر العالم .. والشعر الطبيعة

لاجل ادق اجراس هذا الكون باكتب لك قصيدة .. وزنها حزنها .. وحزنها انها كنها الـ ( أنت ) ,

مختل المظاهر , فوضوي الحلم , ساخط , فارع التكوين , شاغر ...

(قفا نبك من ذكرى حبيب ٍ ومنزل----- ---- بسقط اللوا .. .. )

كيف استوى جهلك بعلمي ان هذا الجاهل الأسود كتب حلمي ، وعلمك اني اجهل كيف ابرر لك قصيده وزنها حزنها .. وعذرها ان الطبيعه ما تقاس ولا تنظم .. دفتري العالم واحساسي الطبيعة ..

لا تحطم ما بنا الحبر بجنوني ،لا تكذبني الى من قلت : هذا الليل أبيض ! وان هذا السور انثى في عيوني ..!اجلس معي مقدار تنهيدة على كرسي الظلام ..مقدار ما توزن قصيدة تنكسر لا هبت الريح / اللغة ..حاول حبيبي ..

لا تصدك عنك موسيقى الكلام ولا تصدق كل من يجزم بأن الشعر يحتاج النظام !

السجن ، موزونٍ مقفى ..

العمر ، محدودٍ مقفى ..

الشعر منفى ..

لا حدود و لاقيود ولا جدارٍ

/

قاف أو قضبان

/

وزن ..اجلس على كرسي الظلام ..

ارسم نجومك كيف ما ترضى ..

دوائر أو زوايا أو مطايا أو ترابٍ ذرته كف المجرة في عيون العالم / الدفتر ،

أو ثقوبٍ بثوب السيد الليل الفقير الحاير المقفر

..

حبيبي

..

حاول انك تنفصل عن ساعتك عن سلطة التقليد ..

عن كل الخطوط المستقيمة ..

بعثر اشياءك على سجادة الشك ،

ارتبك ، ناقض شعورك ، واجه الصحرا بغيمه ..!

لا تجادلني الى مني صرخت :

" اعشبت ، واستغرقت في العشب

ونما حدسي على اسمنت المدينة طفلةٍ يحلا لعنقودها يفتل الشمس ،

وهي تغفو على ركبة صباح "

!يا حبيبي ،

ذا أنا ،

والأبجدية ،

والألم ،

والليل ,

والتهليل في استقبال مولودٍ جديدٍ أبجدي الشكل مجنون الفؤاد ،

انسان - مفتول السهاد ،

يعربد الضاد ويشب الشين تلحين ويصب اللحن إسفينٍ تدقه مطرقة هذا الشعور

/ النور

بين النون والصاد اضطهاد لحق هذا النص في كونه بعيدٍ عن تفاعيل التقاليد

واهازيج الشفاه اللي نست

ما قاله الناي العظيم :

" ان العصافير القديمه بعثرت تغريدها مره على وجه السما ،

وكانت قصيده رددتها كل أشجار المجرات وحفظها البحر مرات ونساها انسان..

كان يشك بان البحر هو دم الطبيعه ،

حاول انه يرسم التغريد ويكتب من جديد اللي نسا ،

.. فكانت الموسيقى !

"دفتري العالم ، وتغريدي الطبيعة ..

لا تعاتبني الى من قلت لك :

هذي السما صحرا ،

قوافلها سحايب ،

والظما قاطع طريق ..

والنار أنثى ما تنام الا على الأخشاب ،

..

والانسان في عيني الصغيره شرنقه

..

والروح الفراشه !لا تعارضني الى من قلت لك

" هذا الشعر ماهو سوى لحظة تشنـّـج كل ما حولي من ارقام وصور ! "

ولا تقاطعني اذا اعلنت اني اكرهك !

..

كرهي لمثلك ما تعدا كوننا متشابهين ..

ولا تموت الحين ..

باقي بي كثير ..

اغرق بهالصدر الغزير وحاول انك تهضم ارواح العصافير وتطير ..

وحاول انك تبتكر جرحك وتبدع في صياغة حزنك المجنون

وكيف تكون لا مني همست

" افتح شبابيكك حبيبي ..

أخرج العالم من العزله حبيبي ..

أرسل الأرض تتهادى في سريري ..

غيـّــر

- ولو لحظه -

مصيري ! "

يا حبيبي

كثر ما كانت تسيل احلامنا قبل اللقا باقول احبك ...

حبـّـــني

وكثر ما تضحك لنا الأشياء في ليل اللقا باقول احبك ..

حبــــــّــني

او ضــمــّــني ..

لين ارتمي للتيه ..

او ارتمي فوق الوجيه اللي استعارتني وجيه ..

او ارتمي فوق الغيوم ..

ليلةٍ فيها الظلام ..

يعد مائدة النجوم ..

سمني الحيوان في دنيا تضيق من البشر ..

نادني العنوان في هذا السديم مْن الرحيل اللانهائي ،

واصلب اشلائي على شطآنها ،

واستنفر القمح المهاجر في أديم المرسل الشاعر

وسافر ي تعاليمه يسوعٍ ما يبشر به سوى زرقة سماءه

!لين ما يستكمل اشياءه ويبدا باللغه ..

يرسم لنا العالم دفاتر ..

والطبيعة كلمةٍ تفلت من افواه المحابر ..

شكل آخر

شكل آخر

شكل آخر للحياه .

(فهد المرسل)



فهد المرسل يبدأها بالكينونة.. بالعالم الضيّق المحدود بين دفتي الدفتر ومن ثم ينطلق إلى العالم الخارجي الذي أصبح واسعا لا يحتمل سوى الواقع فقط..(الشعر) أوسع من العالم ومن الدفتر فهو يحتمل الكذب والصدق وليس له نطاقٌ محدود بينما الطبيعة هي الأكبر فلا حدود لها وهنا نجد نقطة تلاقٍ لدى المرسل بين الدفتر والعالم وبين محدودٍ بمحدود فلكلٍّ منها حدود ونطاق فنجدها واسعةً في مجال إلا أنها تضيق في مجالٍ آخر فالدفتر وإن كان محدودا بغلافه الخارجي إلا أنه غير محدودٍ بمحتواه وأفكاره ويمكنه أن يجمع فيه ما يريد بلا محدودية ولا حواجز! بينما العالم وإن كان واسع الشكل والهيئة أكثر من الدفتر إلا أن حدوده تنحصر فقط بالواقع ولا تستطيع تعدّي هذا الواقع ..(الشعر .. الطبيعة) يلتقيان بنقطةٍ هي اللامحدودية ولكن يأتي تفضيل الشعر على الطبيعة بأنه وإن كان محدودا بأشياء كالوزن والقافية إلا أنه يتمنى أن يصبح لا محدود الفكرة أو لا محسوسها بإحساسٍ محدد وحيد.. كالطبيعة..(وزنها .. حزنها) الرنين هنا في هاتين الكلمتين لا يقاس حيث أن لهما تأثيراً قوياً رنّاناً وحرف النون في هاتين الكلمتين يعطيهما هذه الصفة من الاستمرارية..ولا أدل على ما ذهبت إليه بأن الشعر في وجهة نظر الشاعر يجب أن يأخذ تلك الحرية من الطبيعة من قول الشاعر نفسه .. (عذرها إن الطبيعة ما تقاس ولا تنظم).. كما يبيّن أن الشعر هو مرحلة الإحساس بلا محسوس (إحساسي الطبيعة) وإمكانية هذه الطبيعة أو قدرة إله الشعر كما يرسمه الخيال بأن يهدم ما بناه أو ما نظمه بعشوائية وغباء في ثوان..(الليل أبيض) .. عندما نقوم بعملية الرنين لإعادة سماع الصوت أو الكلمة بطريقتين مختلفتين أو أكثر .. فنرددها مرة بصوتٍ عالٍ ومرةً أخرى مغمضي العينين في داخلنا ترددها فقط مع محاولة رسم الصورة وكأنك تراها تجد أن مجرد التفكير في أن تقلب هذا الليل إلى بياض وتقلب ما تعودت عليه أو فُطرت عليه .. مخيف .. تمثيل رائع لمشهد (الغربة) هذا السواد الذي يحاول أن يجعله بياضا مهما كانت الأسباب ..(هذا السور أنثى في عيوني) .. حاولو أن تروا هذا السور كما يراه هو بنفس الإحساس..(اجلس معي مقدار تنهيدة على كرسي الظلام) ..(تنهيدة) .. حدّد التنهيدة بقدر أو جعلها مقياساً من نوعٍ ما .. وإن جئنا لما نستطيع أن نقيس به التنهيدة ــ حسياً ــ نجده لا يتعدى الثانية أو الثانيتين وبمجرد التفكير بأن هناك كرسيا ويحيط به الظلام من كل صوب .. ظلامٌ دامس يخنقك لمدة تنهيدة .. أو لمدة ثانية تستطيع بذلك أن تحبس أنفاسك لثانية لتشعر بذلك الخوف ومن هنا يبدأ الإحساس وعملية الانفعال تكون عالية..ما يحاوله هو كسرٌ لحاجز الوزن والقافية التي تميت القصيدة ــ كما يرى ــ وينادي باستخدام الحداثة وتحرير الشعر فيبين هنا بطريقة أخرى وبكلمات أخرى ما يريد قوله عندما يذكر السجن والعمر بأنهما موزونان ومحدودان بقضبان .. فالشعر أيضا يجب أن يخرج بالقصيدة من نطاق المحدود إلى اللا محدود بأن لا يكون هنالك أي حاجز أو عائق أمام تلك الحرية.. فهو يدعو للفلسفة الشعرية ويجهر بذلك علنا عندما يذكر بأنه هو الدفتر العالم الشعر الطبيعة آلهة .. هذا كله ولكن بشكل آخر .. أي أنه هو صانع هذا كله ولكن في أشعاره!..كما يحاول فتح العقول وتحريك الخيال واستنفاد طاقته في رسم أو تخيل الصورة كما يراها هو ويعيدها دوائر وترمز لحلقة مغلقة لا تستطيع الخروج منها وتحاصر نفسك فيها أو استخدامك لزاوية وهي أن ترى القصيدة من زاوية أو ركنٍ واحد فقط وترك الزوايا الأخرى أو (المطايا) فالمطية وامتطائها ماهي إلا وسيلة للعبور إلى الحرية في الشعر والتراب هو الانسان نفسه وما يحمله من روح وجسد ومشاعر وهو المتلقي الذي يرجع أخيراً إليه لتلقي قصيدته بالاستحسان أو بعدم القبول ..عملية التجديد .. فيأتي ببقية العناصر التي تساعده على التجديد وهي : ــ 1) بعثرة الأشياء وتعريضها للشك.. 2) الارتباك وعدم التثبّت من كل نقطة .. 3) مناقضة النفس والشعور.. 4) المواجهة وذلك بغرض التجديد على الملأ..ثم تبدأ مرحلة ولادة القصيدة وكيفية الترتيب لذلك (الحدث) ومن أهم عناصر ولادة القصيدة : ــ 1) الشاعر. 2) الأبجدية. 3) الألم. 4)الليل. 5) التهليل. فكل أولئك كانوا في استقبال المولود الجديد (النص) وصفاتها أبجدية أي عربية الشكل واللغة وإن كانت مجنونة الفكرة وتأخذنا إلى المكان نفسه ولكن يصف لنا كيفية نشأة هذه القصيدة..ثم ينتقل الشاعر من احساسٍ منخفض إلى احساسٍ عال في ترجمة الصورة ( هذي السما صحرا قوافلها سحايب.. والظما قاطع طريق .. والنار أنثى ما تنام إلا على الاخشاب) الصورة ترسم نفسها وأنت تقرأها فتشعر وكأنها أمام ناظريك فلقد جعل رسم الصورة مع الانفعال الشديد الإحساس متدفقا فتتوالى بعدها الأحاسيس العالية بل الصاخبة أحيانا باستخدامه لا الناهية مع الفعل المضارع في (لاتعاتبني .. لا تعارضني.. لاتقاطعني)..مع ما لهذا الفعل من الاستمرارية أو حتى القراءة باستمرار هذا الإحساس العالي..الفقرة العاشرة تحتوي على نفس الكلام ولكن بصياغة أخرى ويحمل نفس الإحساس (أغرق بهالصدر الغزير) فالصورة توحي بما للشعر من مجالات كثيرة يمكنك استخدامها بقراءتك وثقافتك ولا تستطيع أن تنجز وتبتكر دون أن تفهم وتحفظ وتخرج من المألوف إلى اللا مألوف ..(كثر ما كانت تسيل أحلامنا..) احساس متفجر استوقفني أياما وأياما .. لا أعلم لماذا ولكني شعرت وكأن كل ما بداخلي يهتز كبركانٍ على وشك الانفجار .. مشاعر ملتهبة تصعب على الوصف .. (حبني) الهزة والرنة كلها في هذه الكلمة في استجداء الشاعر للحب والبحث عن تلك المشاعر والعاطفة..والجدير بالذكر ان الاحساس في هذا النص بدأ منخفضا ثم علا ثم عاد للانخفاض والخفوت في نهاية النص..هنا أصل إلى نهاية هذه الرؤية في هذا النص بعد عناء ومشقة فلقد استغرقت الدراسة مدة شهر ضاع الجهد خلالها مرة وتلف أخرى وتقمصت (شخصيات) الشعر وأنا اقوم بعمل الرنين ليالٍ طوال آملةً أن أكون قد وفقت في أن أقدمها لكم بالشكل الأنسب ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق